الخميس، 31 ديسمبر 2015

الموروث الديني في شعر قاسم بن محمد آل ثاني رحمه الله

  الموروث الديني 
 في شعر قاسم بن محمد آل ثاني 
    (رحمه الله ) 

المقدمة :
                 يعد الشعروعاءا فكريا ونفسيا واجتماعيا وتاريخيا، فهو لا يبث طاقة شعورية فحسب ، بل يأتي ليعبر عن فكر او يصور تاريخا . والشعر له مكانته القديمة والجديدة في الأدب ، فقد شكّل لمرحلة طويلة ديوان العرب الأول ، كما شكّل لدى الأمم الأخرى فنها الأول كما هو عند الإغريق واليونان .
        ولما كان الشعر يمتلك تلك المكانة الهامة ،كان لابد أن يضمّ في جنابته مكونات أساسية ، فإلى جانب بنائه الهيكلي ،يكون المضمون الذي يعبر عن درجة الوعي والثقافة ، ومما لاشكّ فيه أن الوعي والثقافة لابدّ ان يرتكز على موروث أو فكر متبنى ، فيأتي الشعر أو العمل الادبي ليكتشف كنه ذلك الموروث خاصة ، والثقافة عامة .

     من هذا المنطلق حاولت أن أدرس العلاقة بين الموروث والشعر ، ولما كان الموروث له مرجعيات مختلفة دينية وتاريخية ، وشعبية ، وغيرها قصرت الأمر في بحثي على الموروث الديني فجاء عنوان البحث (( الموروث الديني في شعر قاسم بن محمد الثاني )) ،

     ولم تكن الدراسات التي تناولت شعر قاسم بن محمد كثيرة أدبيا  بالمقابل هناك دراسات  تناولت قاسم بن محمد رجل دولة وسياسي قطر الأول ، فظهرت دراسات تهتم بجانب التاريخ أكثر من الدراسات الأدبية مثل التطور السياسي في قطر لعبد العزيز المنصور ، وقطر الحديثة ، لعبدالعزيز عبدالغني ، وغيرهم ، كانت هناك مجموعة مقالات وندوات تناولت القائد قاسم بن محمد رجل سياسة ، وكذلك أقيمت ندوات منها التاريخية  ومنها واحدة أدبية عام 2009 تناولت الثقافة والشعر ، ضمن احتفالات قطر باليوم الوطني ، ولكن للأسف بالرغم من معرفتي بوجود ورقتي عمل حول المؤسس وشعر ه قدمها الدكتوران علي الكبيسي ، وصباح الكواري ، والأولى تناولت قاسم بن محمد عند الشعراء ، والثانية تناولت قراءة جديدة في شعر قاسم بن محمد ، إلا انه لسوء الحظ لم أتمكن من الحصول عليها ، رغم محاولاتي . وكذلك كانت هناك مقالات صحفية وعبر المجلات القطرية التي كانت تخصص عددها لشهر ديسمبر للحديث عن قطر والمؤسس ، فقد كان محتوى تلك المقالات القصيرة تمجيدا ليوم الثامن عشر من ديسمبر ، وإحياء لذكرى المؤسس فتأتي المقالات ذكر لبعض أقواله أو الأحداث التي خاضها أو شيئا من شعره أو المدح في مبادئه التي سار عليها وانتهجها في تكوين تشكل الدولة .

       ولكن مع ذلك عقدت العزم على البدء في البحث ، حرصا إلى رؤية قاسم بن محمد أديبا لا رجل سياسة ، وإلى جانب التحقق مما قيل في تمثله الديني في حياته السياسية ، والحرص الأكبر على إضافة للحقل العلمي فيما يخص الأدب الشعبي في دولة قطر ، حيث وإن كثر المهتمون فيه والخابرين بطرقه وكنهه ، إلا أن الدراسات الاكاديمية البحثية حوله لاتزال حسب تقديري قليلة مقارنة بصفوف الدراسات في المناطق الأخرى .

           وقد جاءت إشكالية البحث في الأسئلة التالية :

-          ما الموروث الديني الذي وظّفه الشاعر قاسم بن محمد ؟
-          كيف وظّف ذلك الموروث ؟
-          ما دلالات توظيف الموروث الديني في وعيه للواقع ؟

وقد حددت الطالبة مادتها بديوان الشاعر ،وديوان طبع على نفقة الشيخ علي بن عبد الله الثاني ، ويتضمن ثلاثة عشرة قصيدة ، إحدى عشر قصيدة منها تتحدث عن الأحداث السياسية والتاريخية لقطر ، وقصيدتين في رثاء زوجته .

   وقد وظّفت آليات التناص  في تحليل النصوص الشعرية لتتبعها وبيان الدلالة التي ترمي إليها

وقد جاء البحث في مبحثين اثنين
المبحث الأول نظري : يتعلق بشرح مفهوم الموروث ن والتوظيف ، وآليات التوظيف ، وقد بينت مفهوم التراث بأنه كل ما ورث وانقل من جيل إلى جيل وتمثله الناس في الذاكرة أو الممارسة ، وبينت في البحث مفهوم التوظيف وأنه حالة وعي مقصودة لاستحضار الماضي وأنه نوع من التناص ن والتوظيف يتطلب مستويين اثنين مستوى فهم ومستوى استثمار ، والثاني يشكل وعيا أكثر من الأول ،ووضحت ختاما آليات التوظيف وتحدثت فيه عن المصادر والطريقة ، فمصادر التراث تكون إما دينية أو تاريخية ، أو شعبية ,، أما طريقة التوظيف فتكون إما بالتناص ، أو الاستدعاء الاسمي ، أو الرمز .
ثم تحدث في المبحث الثاني : تطرق البحث إلى أنواع الموروث الديني ، وكيف وظّفه الشاعر ، وما دلالته في كل الحالات ، وكيف استطاع الشاعر بهذا التوظيف التعبير عن الوعي الفعلي والممكن لواقعه .
ثم ختمت بخاتمة للبحث وتناولت فيها أن توظيف التراث الديني كان بوعي من الشاعر لمعرفة الواقع المعيش وإيجاد حلول للمستقبل بوعي ممكن ووعي فعلي للواقع .

    وفي الختام ، أرجو أن تكون الدراسة قد كشفت جانبا صحيحا من فكر الاديب قاسم بن محمد  وعلاقته بالموروث الديني ، وترجو إسداء النصح بالتعديل لمن يرى خطأ فيها . والله ولي التوفيق
الدوحة
ديسمبر 2015












المبحث الأول
                            أ/ التراث
                              ب/  التوظيف
                             ج/ التوظيف (مصادره وطرائقه)



ا/ الموروث :
              عند البحث في معاجم اللغة عن مدلول كلمة موروث نجدها في صيغة مفعول ، ومن الجدر الثلاثي ، وَرِثَ ، فالوراث :صفة من صفات الله عز وجل ، وهو الباقي الدائم ، الذي يرث الخلائق بعد فنائهم ، قال تعالى : ( وورث سليمان داوود)[1]، أي ورثه نبوته وملكه ، وقال ابن الإعرابي :" الورِث ، والورَث، والإرْث ،والوِراث ،و التراثُ واحد" ،وقال الجواهري :"الميراث أصله مِوراث ،انقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها، والتراث أصل التاء فيه واون وقيل الميراث في المال، والإرث في الحسب ، والتراث ما يخلفه الرجل لورثته ، وأورثه الشيء : أعقبه إياه ، وأورثه المرض ضعفا والحزن هما له . كله على الاستعارة والتشبيه بوارثة المال والمجد [2]،وقال ابن فارس :"الميراث أصله الواو، وهو أن يكون الشيء لقوم ثم يصير إلى آخرين بنسب أ, بسبب.[3]
    بالرغم من اقتصار اللغة على معنى انتقال المال أو المجد من جيل إلى جيل ن أراه في كتب التراث الشعبي (الفلكلور) ، ذا معنى أوسع ليشمل ميادين من الحضارة المختلفة من فكر ، وفن ، وعلم ، وأدب ، ومأثورات اجتماعية واقتصادية [4].
     فالتراث شيء انتقل من شخص لآخر ،وحُفِظ في الذاكرة أو الممارسة أكثر من التدوين والتسجيل ، ويشمل العادات والتقاليد ، والطقوس التي تمارس والرقص والاغاني والخوارق، وأنماط الأبنية، والظواهر التقليدية للنظام الاجتماعي[5].
    ويعرّف  التراث بأنه الثقافة أو العناصر الثقافية التي تلقاها جيل عن جيل ، والتراث في النظر الأوروبي كل طقس من الطقوس التي توصف غالبا بأنها أسطورية وهي التي تصاحب الإنسان من المهد إلى اللحد ، وتنتقل من جيل إلى جيل بالذاكرة أو الممارسة .
       ولما كان التراث يجري بالذاكرة والفعل ، فلابدّ أنه لا يأخذ شكلا ثابتا ـ، فهناك نماذج التغيير أو التداخل من وقت لآخر  تحدث تغييرا من جماعة إلى أخرى . والتراث يبقى حيا مستمرا إلى أن يمسك بالعناصر الجديدة ويمثلها بطريقة جديدة.
              وتظهر أهمية دراسة التراث ، وتأثيره على المجتمع والفكر الديني او الاجتماعي أو التاريخي ... ، بل وفي مناحي الحياة المختلفة ، وانعكاسه على ثقافة الأجيال القادمة التي ورووها عن أسلافهم عبر مرور الزمن بغض النظر عن كون هذا الموروث حقيقا أم خياليا . كما أن الموروث يتصل بعلوم أخرى تتناوله بالبحث والاكتشاف والدراسة مثل التاريخ وعلم الإنسان وعلم الاجتماع وعلم النفس ، والأساطير ، وتشترك جميعها في تفسير الظواهر التراثية وما يكتنفها من الغموض .
       وفي مجال الدراسات الأدبية في الادب العربي ، نجد الكثير من الدراسات الحديث التي نادت بربط التراث في الادب الحديث ، أو تلك التي درست انعكاس وتوظيف التراث بمختلف أشكاله في الإنتاج الادبي المعاصر والحديث ، ولكن يبدو الأمر جديرا بالتساؤل ، هو كيف وظّف المبدع الشعبي شاعرا أو قاصا هذا الموروث الشعبي ، وهو يتمثله في الواقع المعيش عبر ممارساته الحياتية أو يشكل له إرثا ثقافيا في الذاكرة انتقل إليه من جيل على جيل . وهو بهذا يشترك مع الأديب الرسمي أعني الاديب الذي يكتب باللغة الفصحى.
ب/ التوظيف :
                 هو نوع من التناص يحدث بصورة مقصودة وواعية، وتستخدم فيه مواد التراث لنقل رؤى وأفكار معاصرة ، "وتوظيف التراث هو عملية مزج بين الحاضر والماضي في محاولة لتأسيس زمن ثالث منفلت هو زمن الحقيقة في فضاء لا يطوله التغيير"[6]، وهو يعني توظيف الخامات التراثية في الاعمال الأدبية وشحنها برؤى فكرية جديدة لم تكن موجودة في نصوصها الاصلية ، وهذا التوظيف  يمكن أن يكون مرئيا أو مسموعا أو بنيويا أو نصيا ، والذي يعنى بالدراسة هنا هو التوظيف النصي ، في فهم الفائدة والمقصد من حضور المموروث داخل بنية شعر قاسم بن محمد الثاني النصية .
       ويمثل التراث ملجأ للأديب ففيه يستقي أدوات تعينه على تجاوز عقبات عصره ، أو تقدم له حلولا في بعض الأحيان ، أو تمنحه قوة ما ، بغية الوصول إلى الهدف الذي ينشده ، فالأديب عليه أن لا يتعامل مع تلك المادة التراثية على أنها مادة ميتة بل عليه أن يراها حيّة "قابلة للتجدد والانبعاث "[7]
     وتستلزم عملية التوظيف امرين اثنين كما يوضح الدكتور محمد عابد الجابري :
1-      مستوى الفهم : أي استيعاب تراثنا ككل بمختلف منازعه وتياراته.
2-      مستوى التوظيف والاستثمار : أي البحث عما يمكن استثماره في حياتنا الراهنة[8]وهي مرحلة متقدمة وفيها يتحقق التوظيف والغهم الصحيح للتراث فيأخذ العاقل ما فيها من مواده وما يمكن استغلاله في حمل قضايا راهنة

      والتوظيف يتضمن القصدية حيث يتعمد الكاتب أو الاديب إلى نص أو شخصية دون غيرها ، ويستحضرها للتوظيف ، كما أنه أي التوظيف يستلزم الاقتصار على الماضي وجلب رموزه وشخصياته ، بعكس التناص الذي يستجلب شخصيات قديمة أو معاصرة، فالتوظيف هو عملية مقصودة واعية باستحضار الماضي لتحميله معاناة أو أفكار ورؤى جديدة . كما انها تتعلق بالمبدع وطريقته في التعامل مع التراث وكلما تفاعل المبدع مع النص التراثي ازداد قدرة على تحميله رؤى وأفكار معاصرة .


ج/ آليات  التوظيف : ( المصادر – الطريقة )

      يستحضر الأديب توظيفه للتراث من مصادر مختلفة قد تكون دينية أو تاريخية أو شعبية .. مما احتواه الماضي وشكّل إرثا لقوم وجماعة ما .
   ومن مصادر التراث العربي وأهمها التالي :
1/ المصدر الديني : ويتضمن كل ما يمكن استحضاره من شخصيات ، ومعتقدات ، وأماكن ، وأخلاق وعبادات وآداب )
2/ المصدر التاريخي : ويتضمن كل ما يمكن استحضاره من شخصيات ، وأحداث ، وانتصارات وهزائم ، ووقائع .
3/ المصدر الشعبي : يتضمن كل ما يمكن استحضاره من شخصيات شعبية أو خرافية وأخبار وحكايات أو أساطير ، والأدب الشعبي بمختلف عناصره ،وكل ما يتمله شعب ما من عادات وتقاليد ومعتقدات ويرتضيها ويقبلها الشعب .
        وسوف تركز الدارسة على توظيف المصدر الديني فقط .

طريقة التوظيف :

أ/ طريقة التناص :  وهو يعني استحضار النصوص الفكرية أو الدينية أو السياسية من سياق إيديولوجي ، أو استحضار نصوص أدبية داخل النص الادبي ، ولكن البحث سوف يعتني بالنوع الأول وهو السياق الإيديولوجي .

ب/ طريقة اسمية : و وهي تعني استدعاء الاسم بغرض استدعاء ما تحمله من أفكار او ما وقع عليها من أحداث كعبر  تستقى منها الدروس والتجارب .

ج/ طريقة الرمز : وهو توظيف الشيء والانطلاق من حسيته المعهودة إلى شيء آخر جديد ،ليعطي فهما أعمق بعيدا عن المباشرة والتقرير .















المبحث الثاني :

             أ/   الموروث الديني عند قاسم بن محمد (الطريقة والدلالة).

-         التناص الديني للأفكار
-         توظيف الاسم
-         توظيف الأخلاق  والمعاملات الدينية .
-         توظيف الرمز الديني .




أ/ الموروث الديني عند قاسم بن محمد (الطريقة والدلالة).

      الناظر في شعر قاسم بن محمد يرى  حضورا كبيرا للسمة الدينية التي تطغى على شعره ، فهو كثير ما يورد في شعره لفظ الجلالة ( الله ) أو لفظ (رب ) ، وغير ذلك يجد الناظر  أن قاسم بن محمد الثاني قد استفاد من الثقافة الدينية في طرح الآراء وتمثلها إيديولوجيا في رؤيته للعالم ، عبر وعيه الفعلي للأمور ، أو من خلال الوعي الممكن الذي يتطلع إليه . حيث جاء توظيف الموروث الديني إما بين وعي فعلي لما هو قائم ، أو وعي ممكن لما هو متطلع له .

     ويمكن مناقشة وتحليل ذلك بطرح نماذج من شعره في هذا المبحث من الدراسة والتي تمثلت للباحثة من خلال محاور عدة :

1/ التناص الديني للأفكار:
            كما ذكرنا في المبحث الأول في تعريف التوظيف هو عملية واعية ومقصودة وهو يعد نوع من التناص ، ويستهدف توجيه النصوص لنقل الرؤى والأفكار المعاصرة .

    وقد عرفت ظاهرة التناص قديما بأسماء عدة مثل السرقات الأدبية ، والاقتباس ، والتضمين ، والمعارضة ، والاستشهاد ، إلا أن مفهوم التناص قد ضمّ هذه المفاهيم ، و"غدا توظيفا معقدا في أغلب الأحايين يولد تفاعلا خصبا بين النصوص"[9]
          وقد نشأت نظرية التناص كبعد من أبعاد حركة القراءة ؛ إذا أن للقارىء دورا حاسما في الكشف بوعيه عن العلاقة بين النص والموروث ، " لأننا عندما نقرأ نتاجا فإننا نقرأ دوما أكثر من نتاج بكثير ، إننا ندخل في اتصال مع الذاكرة الأدبية ذاكرتنا الخاصة ،ذاكرة المؤلف ،ذاكرة النتاج نفسه" [10]
         والتناص يأتي على نوعين تناص يتعلق بالسياق الإيديولجي ؛حيث يكون التناص في هذه الحالة بين الادب ومجموعة خطابات فلسفية أو سياسية أو علمية أو دينية ، او جمالية أو اجتماعية أو اقتصادية " [11] ، أما السياق الثاني للتناص فهو السياق الادبي ويعنى بتداخل النصوص الأدبية في النص الادبي .
     وعند دراسة التناص عند شعر قاسم بن محمد نلحظ أنه من السياق الإيديولجي ، حيث وظّف النصوص الدينية أو الأفكار بشكل عام بما يخدم فكره ووعيه حيال الواقع ،فتشكلت نصه الأدبي من الرؤى الفكرية للمبادىء الدينية ، ومن خلال عرض لنماذج ذلك التناص ،بإمكاننا فهم الوعي والفكر لدى قاسم بن محمد الثاني :

1-   ولاتقطعون الوصل والرحم بينكم             فالله عن قطع الرحام ايسال[12]
2-فجنحت أنا للسلم لا من مذلّة                   ولانيب وهن في الحروب اهياب[13]
3- كذا قد بدا الإسلام في حال غربه                 ويرجع غريب وحنّا به اغراب[14]
4- فلا عالم أنكر ولا حاكم فكر                     يعدّون شعار المشركين صواب[15]
5- فدانت لهم شيخان لطراف اوذاعنت            يسومونهم بالذل سوم عذاب[16]
6- فله الثنا والحمد والشكر والسنا                وله الشكر منّا على نعماه .[17]
7- تعز بالطاعة ضعيفٍ لجابك                      وتذل بعزك طاغيٍ جبار[18]

       عند النظر في هذه الأبيات ، نرى الحضور الديني يتمثل في تناص الشعر مع الفكر الإسلامي ، فالشاعر هنا يبث وعيا فكريا ويعبر عنه بكل صراحة بأن مصدره دينيا ، وهذا التناص يظهر من حضور مصادر التشريع الإسلامي القرآن الكريم  والسنة النبوية على حد السواء مثل : قال تعالى :﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ  [19]، وقوله تعالى :(( قل اللهم تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ))[20]، وقوله تعالى : (( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكَّل على الله إنه هو السميع العليم ))[21]، ومن توظيف السنة النبوية قوله  صلى الله عليه و وسلم((بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء((، وقوله صلى الله عليه وسلم : )) من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان((.



2/ توظيف الاسم :
       تمثل الشخصية عادة رمزا ملائما يتيح للكاتب إنتاج دلالات جديدة تلائم مختلف العصور ، و"الشخصية التراثية من أهم الشخصيات التي يمكن أن تتخذ رموزا ذات دلالات متجددة "[22]، والوعي بالشخصية التراثية يعني وعيا بما جرى لها من وقائع ، وما آلت إليه من مصير ، والاستدعاء الاسمي لها لا يعني الوقوف على ذاتها فحسب بل ما تعرضت له ،وكأنّ استدعاء الاسم استدعاء لما حدث لها من أحوال ومصير آلت إليه . ،وقد وظف الشاعر قاسم بن محمد شخصيات وردت في التراث الديني الإسلامي من خلال استحضار أسماء أقوام آلت إليه عاقبة الأمور بالخسران والفناء وذلك لأنهم انتهجوا ما لم يكن على حق ، ومثال ذلك الاستدعاء قول الشاعر :
                    1.عبادة الاوثان حزب الضلالي                                 باصنامهم واوثانهم يستيغيثون[23]
           2.مفنى القرون الأوّلة والتوالي                                   نمرود مع كسرى وهرقل وفرعون[24]
                   3.وعاد وشدّاد طغى ثم زالي                                         ولا فادته جنّاته إللي يغرسون
4.وصبرت على حرب النصارى وحزبهم                   خشاش رعاع ما رجين معاه[25]
5.أباضية جهمية زاد شركها                                      على شرك أبو جهل وشرك الأوايل[26]
6.يعيدون بعياد النصارى مطوّعة                             وما قال عبّاد الصليب امجاب[27]

     نلاحظ هنا استدعاء أسماء بعينها ( نمرود ، كسرى، هرقل ، فرعو ن ،عاد ،شداد، أبو جهل)، وهم ممن كانوا على طريق ضلالة ولم يستجيبوا لدعوة الله سبحانه وتعالى في الالتزام الحق ، وهناك ذكر إشارة على وجه العموم مثل ( عبادة الأوثان ، أباضية ، النصارى ، عبّاد الصليب ) فهو إن لم يكن ذكر هنا على وجه الخصوص في استدعاء الأسماء ،لكنه لا يخرج عن الغاية المرجوة وهي الاستفادة من حال ما آل إليهم  المصير ، فالوعي الفعلي بما قد يكون عليه اتباع الخطأ سيؤدي إلى ما وعي ممكن بتنجب ذلك ، واتخاذ سبل معاكسه من خلال تطلعات مستقبلية يرسمها فكر إيديلوجي ،ظهر  جزء منه في العنصر (توظيف التناص الديني للأفكار).

3/ توظيف الأخلاق  والمعاملات الدينية :
         تختلط المفاهيم الدينية والأخلاقية بمرور الزمن ،مع عادات الشعوب وتقاليدهم الموروثة ، فتصبح هذه الأخلاق جزءا من ثقافتهم، وسلوكهم الموروث ، وقد تكون بعض الأخلاق قد أمدتها البيئة ، وظروف العيش على الناس ، إضافة لدور الدين في الدعوة إليها لتطبيقها كأخلاق ومعاملات . ولأن الدين والأخلاق يدعوان إلى الفضيلة كانت الفضيلة وحدة لاتتجزأ ،فأصبح بين الدين والأخلاق رابط قوي ، والملاحظ في شعر قاسم بن محمد ذكر لهذه الاخلاق الفضيلة التي تدعو إلى الألفة والمحبة ونبذ العنف ، وحب الآخرين واحمايتهم والكرم ،ودفع الأذى عنهم . وهو يتمثل خلقا دينيا وعادة متوارثة شعبية ، والذي يتمثل في شعره من خلال الأبيات التالية :
1- فوصّيك مني يافتى يا ابن جاسم          فلاتكن عنها يافتى الجود غايب[28]
2- وعاملت أنا بالصدق والنصح والنقا                   وترى الله علّام بكل اكتاب[29]
3- ولانجزي جميلة بسيّة   على العبد             على العبد نذكر طيبه والجمايل[30]
4- فيا ما حمينا كل من هو لجا بنا                         إذا صكًته جيلانها والجدايل[31]

        فنلاحظ الأخلاق الكريمة التي يدعو إليها الدين الإسلامي وقد تمثلها الشاعر ، وهذا التمثل يدلّ على درجة الوعي ، فكما قلنا أن التناص  في شعر قاسم بن محمد يتمثل في السياق الإيديولجي ، والأخلاق وتمثلها لا يكون إلا بوعي حقيقي بما قد تؤول إليه الأمور حال اتباعها أو تركها ، وما قد يكون له من أثر في حياة الفرد والمجتمع .

4/ توظيف الرمز الديني :  
                الرمز من الظواهر الفنية اللافتة للنظر في الشعر الحديث، بل وتوجد كذلك في الشعر القديم بصورة أو باخرى ، واستخدام الرمز الديني يأتي للتعبير عن الأفكار والتجارب بطريقة غير مباشرة يؤديها الرمز ،والرمز بمعناه العام" الدلالة على ماوراء المعنى الظاهري ،مع اعتبار المعنى الظاهري مقصودا أيضا "[32]،وهو بلغة أخرى "[33]إشارة حسية مجازية لشيء لايقع تحت الحواس "
      واستخدام الرمز في الشعر دليل على عمق ثقافة الشاعر من جهة ، وعمق نضجه الفكري من جهة أخرى ؛" إذا لابدّ للشاعر الذي يرغب في توظيف الرمز في شعره من ثقافة وتجربة واسعة ، لأن الرمز الشعري مرتبط بحالة الاديب شعوريا والتي تمنح الأشياء مغزى خاصا "[34]فيعكس الرمز ما يودّ الشاعر قوله والتعبير عنه بصورة أفضل من الصورة المباشرة التقريرية . فالرمز يفتح إضاءات للقارئ .  والشاعر قاسم بن محمد يتمثل الحضور الديني كما قلنا بقوة في شعره على نحو ما رأينا من عرض ، وكذلك يستخدم الرمز الديني مستفيدا من مكانته ودوره في حياة الناس الواقعية ،وهو ما يتحقق مع ما يريد أن يبثّه من وعي وتطلع ،بعد فهم لما هو حاصل من وعي قائم . ومن أمثلة ذلك في شعره :
1-وحن كعبة المضيوم إلى من وزا بنا      بخيره ولا نرضى بغير ارضا[35]
2-ّوفزنا بالدين الحنيفي وغيرنا               تخسّر بدينه واختسر دنياه  [36]
فالشاعر هنا يوظّف رمزي ( الكعبة ، والدين الحنيفي ) ، فهو حين يوظّف رمز الكعبة ، فهي تمثل اللجوء والحماية في دلالتها ، فنراه يلصقها بلفظ المضيوم ، وهو الشخص المظلوم أو أخذ حقه غصبا ، أما توظيفه للدين الحنيفي ، فهو رمز للطريق الحقّ الذي ينجي صاحبه . وكل هذا التوظيف ناجم عن وعي مقصود وفعلي لما عليه الواقع المعيش مما يقتضي تطلعا مستقبليا ،نراه يتمثل في شعر قاسم بن محمد من خلال استدعاء وتوظيف الدين الإسلامي .

ولابدّ أن هذا التوظيف المتنوع للتراث الديني له مسببات وعوامل عند الشاعر قاسم بن محمد  نذكر من بين تلك العوامل :
1-      قراءته للقرآن وتعلمه القراءة في صغره .
2-      كان في حياته خطيبا وقاضيا لإمارة قطر .
3-      اتصاله بدعاة فكر ديني من شبة الجزيرة العربية في نجد آنذاك.
أما المسببات لذلك الحضور الديني فهي كما أراها حسب تقديري ترجع إلى :
1-      وعي الشاعر بوجود حل لما هي عليه الحال في منطقته آنذاك من تفرق ،وسيطرة أجنبية .
2-      التطلع المستقبلي ،كونه قائدا لمرحلة ما في تاريخ قطر السياسي .
















الخاتمة :


          يتضح للدارسة أن الشاعر قاسم بن محمد كان مسكون بتراث ديني عميق ،تداخل في كثير من الأحيان في نصه الأدبي ، بل تعداه ليشكل رؤيته للعالم ، ووعيه الفعلي لمجريات الحياة حوله ، ويدلّ على ثقافة ونشأة الشاعر الدينية التي انعكست في أدبه من خلال تصوره ووعيه بأن أمور الحياة لمجتمعه لا يستقيم لها حالا إلا بالدين الإسلامي . فهو قد استعرض الحالين ، الحال الفائزة من منظور ديني والتي تتمثل في اتباع ما جاء به الدين الإسلامي ، والحال الخاسرة التي تتمثل في عصيان الدين الإسلامي فيكون مصيرها مصير الأمم  السابقة .


















المصادر والمراجع

أولا : المصادر

-          القرآن الكريم
-                                     - الديوان الديوان قاسم بن محمد، د.م ، مطابع قطر الوطنية ، الدوحة ، 1969
-          - ابن منظور،أبو الفضل ، جمال الدين:لسان العرب ،مراجعة وضبط نخبة من المتخصصين،ج9، ،دار الحديث،القاهرة،2003(د.ط)

                       ثانيا : المراجع :
-          ابن فارس: معجم مقاييس اللغة ،تحقيق عبدالسلام هارون ، دار الفكر ، بيروت، ج6،ص1050د.ط)(د.ت)
-          الجابري ،محمد: نحن والتراث ،دار قتيبة، بيرةت،ط2،1982،
-           العنتيل ،فوزي : الفولكلور ماهو (دراسات في الأدب الشعبي ) ، ط2،دار المسيرة، القاهرة ، 1987،ص35
-           العربي- الكويت ع412،مارس 1993ص85،المسدي توظيف التراث في الشعر العربي المعاصر
-          أحمد محمد عبد القادر، دراسات في التراث العربي ط.1،مكتبةالأنجلو المصرية 1979
-          تزفيان تودوروف، نقد النقد ، ترجمة سامي سويدان : مراجعة ليان سويدان ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد سنة1986
-          زايد،علي عشري : بناء القصيدة العربية الحديثة ،دار الفصحى ،القاهرة 1978
-          عباس، إحسان : فن الشعر ،دار صادر، بيروت ، دار الشروق،عمان،سنة1996،ط1،ص200


ثالثا :الرسائل العلمية :

المفرح ،حصة : توظيف التراث الأدبي في القصة القصيرة في الجزيرة العربية ، رسالة ماجستير ،جامعة الملك سعود ، سنة1426هـ


رابعا : الدويات العلمية :
-           
الياسين ، إبراهيم ، الرموز التراثية في شعر عز الدين المناصرة ،مجلة جامعة دمشق ،مج26،ع3و4،سنة201




[1] سورة النمل ،19
[2] ابن منظور،أبو الفضل ، جمال الدين:لسان العرب ،مراجعة وضبط نخبة من المتخصصين،ج9،مادة ورث،دار الحديث،القاهرة،2003(د.ط)
[3] ابن فارس: معجم مقاييس اللغة ،تحقيق عبدالسلام هارون ، دار الفكر ، بيروت، ج6،ص1050د.ط)(د.ت)
[4] أحمد محمد عبد القادر، دراسات في التراث العربي ط.1،مكتبةالأنجلو المصرية 1979،ص5
[5] لعنتيل ،فوزي : الفولكلور ماهو (دراسات في الأدب الشعبي ) ، ط2،دار المسيرة، القاهرة ، 1987،ص35
[6] العربي- الكويت ع412،مارس 1993ص85،المسدي توظيف التراث في الشعر العربي المعاصر
[7] عمارة محمد: نظرة جديدةإلى التراث ، دار قتيبة ، بيروت ، ط2، سنة 1988،ص8
[8] الجابري ،محمد: نحن والتراث ،دار قتيبة، بيرةت،ط2،1982،ص:67
[9] تركي المغيض : التناص في معارضات البارودي ، أبحاث اليرموك مج9،ع2،سنة1991،ص92
[10] تزفيان تودوروف، نقد النقد ، ترجمة سامي سويدان : مراجعة ليان سويدان ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد سنة1986،ص91
[11] المفرح ،حصة : توظيف التراث الأدبي في القصة القصيرة في الجزيرة العربية ، رسالة ماجستير ،جامعة الملك سعود ، سنة1426هـ ص107
[12] الديوان ص 10
[13] المصدر نفسه 14
[14] المصدر نفسه ص 16
[15] المصدر نفسه ص16
[16] المصدر نفسه ص16
[17] المصدر نفسه ص55
[18] المصدر نفسه ص51
[19] سورة البقرة: الآية 49
[20] سورة ال عمران الآية :
[21] سورة الأنفال :الآية 61
[22] المفرح ،حصة : توظيف التراث الأدبي في القصة القصيرة في الجزيرة العربية ، رسالة ماجستير ،جامعة الملك سعود ، سنة1426هـ ص40
[23] الديوان ص43
[24] المصدر نفسه ص44
[25] المصدر نفسه 54
[26] المصدر نفسه 41
[27] المصدر نفسه 16
[28] المصدر نفسه :ص 26
[29] الديوان نفسه:ص14
[30] المصدرنفسه :ص2
[31] الديوان ص 2
[32] عباس، إحسان : فن الشعر ،دار صادر، بيروت ، دار الشروق،عمان،سنة1996،ط1،ص200
[33] زايد،علي عشري : بناء القصيدة العربية الحديثة ،دار الفصحى ،القاهرة 1978،ص111
[34] الياسين ، إبراهيم ، الرموز التراثية في شعر عز الدين المناصرة ،مجلة جامعة دمشق ،مج26،ع3و4،سنة2010ص257
[35] الديوان ص55
[36] المصدر نفسه 55

ليست هناك تعليقات: