الاثنين، 28 ديسمبر 2015

شَعْرُ الْمرْأَة في شِعْرِ ابنِ عفيشة (شاعر قطري )



    المقدمة :       
 يعدُّ الأدب الشعبي أدب الأمم الأول ، فهو تراثها وينبوعها الثقافي الباث في الشعوب الهوية والأصالة ، ولقد تميّزت الجزيرة العربية بهذا الأدب الشعبي ، فتناقلت الركبان الاشعار والقصص والبطولات ، وتسامر  الصغار في لياليهم يتجمعون حول الجدة تحكي لهم الحكايات.
     ومن أبرز فروع الأدب الشعبي هو الشعر النبطي أو العامي أو الشعبي – اختلفت المسميات له - ، وأشهرها الشعر النبطي ، فتفاخرت القبائل بشعرائها ، وأسرع الناس بحفظه في الصدور ،فقد ظلّ مدة من الزمن شفاهيا كما كان الحال مع الشعر الجاهلي ،  واشتهر  بني هلال بشعرهم ن وتناقل الناس أخبار الخلاوي ، وشعر راكان بن حثلين ، وغيرهم من الشعراء الذين أنجبتهم الصحراء العربية في شبه الجزيرة العربية ، ولعل من أبرز الأسماء شعرا في القرن العشرين في قطر ممن علا نجمه ، وكانت له الحظوة عند حكام الخليج عامة هو الشاعر عمير بن عفيشة الهاجري .
           الشاعر عمير بن عفيشة  الشهواني الهاجري  - رحمه الله -  أحد شعراء النبط في دولة قطر ، له الكثير من الاشعار التي طرق فيها أغراض الشعر المعروفة ،سار على نهج القصيدة العمودية المعروفة ، وقد تناول فيما تناول المرأة في شعره ، واهتمّ بوصف جمالها في جملة من أشعاره . المرأة  كانت ولاتزال موضوعا مهما في الأدب في كافة أشكاله ، فقد تناولت الأعمال الأدبية العظيمة المرأة موضوعا او عنوانا لها ، ولا يعدُّ هذا حصرا على الأعمال الأدبية العربية ، بل يتسع الأمر  فيشمل  الأصقاع التي تمر بها خطوط الطول والعرض جغرافيا حول العالم . والمرأة موضوعا أو عنوانا حلّت في كثير من الأعمال الأدبية ، وهي بذلك تشمل الأعمال الذكورية والنسائية على حد السواء - إن جاز لنا تقسيم العمل على أساس الجنس - ، كما كانت المرأة مجال اهتمام على مستوى الأدبين الرسمي والشعبي.
     من هذا المنطلق سعيت في دراستي هذه إلى تناول شعر عمير بن عفيشة ، وموضوع جزئي في وصف المرأة وهو الشَّعْرُ، فجاء عنوان البحث موسوما بـ( شّعْر المرأة في شِعْر ابن عفيشة ).
         ولقد كان الباعث إلى مثل هذه الدراسة عدة أسباب ، منها ما تميّز به شعر الشاعر عمير بن عفيشة ،فهو يجمع بين  قوة العبارة ورقتها ، وجزالة اللفظ وعذوبته ، وحضور المرأة في شعره موصوفة . أما الباعث الأساس فهو رغبتي في تناول الأدب الشعبي والدخول إلى عوالم فنونه .
ولقد برزت إشكالية البحث في عدة أسئلة :
         ما هي الجزئيات التي وظّفها ابن عفيشه في وصف شَعْر المرأة ؟
        كيف وظّف الشاعر شعر المرأة حسيا ورمزيا ؟
      ما الرصيد اللغوي الذي اعتمد عليه الشاعر في الوصف ؟

     ولقد اعتمدت الطالبة على مجموعة من المؤلفات تناولت عمير بن عفيشة ، أبرزها ديوان آل عفيشة ، وهو من تحقيق حسن الفرحان ، وقد جمع فيه شعر عمير بن عفيشة – رحمه الله- كما جمع في بداية الديوان نفسه شعرا لأبيه راشد بن عفيشه –رحمه الله- ، وكان الديوان قد قدّم ترجمة للشاعر عمير بن عفيشة وقسم شعره حسب أغراض الشعر المعروفة من مدح وهجاء وغزل وفخر ونصح ،ورديّات  ، وقدم بعض الشروحات للمفردات . والدراسة الثانية كانت مختارات من قصائد ابن عفيشة ، وهو كتاب صادر من المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث – وزراة الثقافة والفنون والتراث – في دولة قطر ، ويعدّ هذا المطبوع تكريما لذكرى الشاعر ضمن مهرجان الدوحة الثقافي سنة 2008، وكان الكتاب يتناول مختارات من شعره رحمه الله.وبجانب هاتين الدراستين ، هناك مجموعة من مقالات صحف ومجلات تناولت ذكره وشعره وشرحا لبعض قصائده ، كما هو في مقالتين منشورتين في مجلة الريان للأستاذ محمد يعقوب اليوسف إحداها شرح لقصيدة للشاعر عمير ، في العدد 68، سنة1013،والأخرى قراءة لأبيات للشاعر في صقر له ، في العدد 83،سنة2015.
     وقد اتبعت آليات من المنهج التاريخي ،في الجزءالنظري ، واستعنت بآليات التحليل عند التطبيق. ، وكانت مادة البحث ، متثلة في نسخة مصوّرة من ديوان آل عفيشة ، تحقيق حمد الفرحان ، وحمد بن عمير بن عفيشة ،الطبعة الأولى ،سنة1990م ، من منشورات وزارة الإعلام والثقافة آنذاك .
وقد قسمت دراستي إلى مبحثين اثنين :
المبحث الأول : وقسمته إلى قسم (أ) :يعرض ملامح من سيرة حياة الشاعر عمير بن عفيشة رحمه الله الشخصية والأدبية ، وإلى قسم (ب ) يعرض للجزء الأول من عنوان البحث وهو شَعْر المرأة وعرضت فيه ملمحا عاما عن الذوق العربي في جمال المرأة عامة ، والشَّعر خاصة ، وأهم أدوات الزينة والتطيب التي استعملتها المرأة .
أما المبحث الثاني : وصف ابن عفيشة لشعر المرأة : وتناولت فيه عرض لأهم أشعاره التي قدمت وصفا لشعر المرأة من حيث الطول والهيئة ، واللون ، والطيب المستخدم لتعطيره.
وتناولت كذلك كيفية توظيف ابن عفيشة لشعر المرأة بين الحسية أحيانا ،والرمزية أحيانا أخرى، ثم قدّمت جدولا بأهم المفردات التي وظّفها عمير بن عفيشة في وصفه.
ثم ختمت بخاتمة للبحث :
     وأنا باحثة في شعر  ابن عفيشة ، أجد فخرا في التراث الأدبي الشعبي ، ولذة علمية في تناول جزء صغير من موضوعاته ، وهو جهد المبتدئ في البحث العلمي ،فإن أخطأت فمن نفسي، وإن أصبت فمن الله ، والشكر كل الشكر لمن أهدى للطالبة الباحثة  نصحا أو أشار مرشدا لخطإ في بحثها لتصحِّح وتعدِّل . والله الموفق
الدوحة
24 ديسمبر2015


         المبحث الأول
           أ/   عمير بن عفيشة الهاجري .
                                    ب/   شَعْر المرأة بوصفه مجالا للجمال.








أ / عمير بن عفيشة الهاجري :
            شهدت قطر  ولادة نجوم شعرية في سماء الشعر النبطي من أمثال سعد المسند الملقب بالشاعر ، ولحدان الكبيسي ، وحميد بن خرباش ، وناصر بن مهدي الدوسري ، سعيد بن سالم البديد المناعي ، وغيرهم من الشعراء الكبار ،رحمهم الله جميعا ، ولاتزال الساحة الشعرية تقدّم أسماء شابة أمثال محمد بن فطيس المري ، حمد البريدي ، محمد بن اسلوم الكبيسي ، وجهز العتيبي ، وغيرهم .
  وقد تختلف الأهواء والآراء في الشعراء ، ولكنها بلا شك تتفق على فحولة عمير بن عفيشة أحد شعراء قطر والجزيرة [1]الكبار .
اسمه : عمير بن راشد بن محمد آل عفيشة الشهواني الهاجري ، والده هو الشاعر راشد بن عفيشة ، ولد الشاعر عمير بن راشد العفيشة نحوعام 1890م ، وأمه اخت الشاعر محمد بن راشد بن ثانية من الجرابعة من آل مرة [2]،عاش ابن عفيشة عمير ، عمرا طويلا حتى توفي في فيينا عام 1982م ، حيث كان يتلقى العلاج هناك، ودفن في مدافن الشيبان(المسنون) في بدة الحصين ، في دخان على الساحل الغرب ي من قطر.[3]
  تزوّج عمير بن عفيشه – رحمه الله- أربع مرّات ، وأنجب من ثلاث زوجات ، فالأولى أنجبت ابنه السيد راشد ، والزوجة الثانية أنجبت له ابنه حمد ، والزوجة الثالثة أنجبت له ابنه فهد ، وبعد وفاتها تزوّج بامرأة رابعة ، وتوفي وهي لاتزال في عصمته.[4]
     عرف في حياته بأخلاقه العالية ، فقد كان رحمه الله متدينا ، يحب الخير ، ويدعو له ، وهو من الناس الذين يفتخرون بفعل قبيلته المشرف ، فهي لا تؤذي  الجار ، ومكرمة للضيف ومغيثة الملهوف، وهذه أيضا صفاته الشخصية [5]
      اتصل الشاعر عمير بن عفيشة وكان على علاقة وطيدة بمعظم حكام الجزيرة العربية في عصره ، ومدح بعضهم ، فمدح شيوخ آل خليفة ، وشيوخ آل نهيان ، وشيوخ آل ثاني ، وملوك آل سعود ، ورثى كثيرا منهم .[6]
         كما كان للشاعر عمير علاقة قوية مع شعراء عصره في قطر ، وتبادل الشعر معهم ، من أمثال : لحاد الكبيسي ، وصالح بن سلطان الكواري ، وراشد بن عجب القروف الهاجري ن وعيسى بن أعبود الرميحي ، وكذلك كانت له رديّات مع الشاعرة الإمارتية عوشة السويدي ، وغيرهم .[7]
       تميّز شعر الشاعر عمير بن عفيشه الهاجري ، بالحسن والجمال ، ولا يختلف اثنان على روعة شعره لما فيه من رقة وعذوبة ،أهلته  ليحتلّ مكانة بارزة بين شعراء النبط [8]في الوطن العربي ، ومن جمال شعره وحكمته ، إن سرت  بعض أبياته مجرى الأمثال ، ويعرف الكثير من مسائل التاريخ فهو يعرف أقواما لا يعرفه غيره إلا قليل يذكرهم في أشعاره [9] .
      ومن أشهر قصائده فخرا بقبيلته ما جاء ردا لأحد السائلين ، يقول فيها[10] :
        ياسعيد كان تسال جدٍّ وتحفيد                                  لك معنويٍّ باصلنا تستفيده
          يمكن عليك نزّل بالخبر ونزيد                                      انشد هل التاريخ تلقى وكيده
       حنّا الذي يضرب بنا الوصف يا سعيد                          كلٍ يبي منّا معانز وكيده
     وحنّا وعبدالله ولد علي وعبيد                                        غرّامة دون الجدود البعيدة
     وعبيد مروي صارمه في الاطاريد                                   والناس لافعاله شهود وقعيده
      ومحمد اللي لبس تاج المقاليد                                      سور الجبل حاميه عمّن يريده
        حنّا وهم عصبة بعدٍّ وتاكيد                                       ضياغمٍ من روس جنب وعبيدة
         هواجرٍ يوثق بنا في المعاهيد                                       قحطان أبونا حافظينٍ رصيده
         ومن هذا الرّصد القصير ، يتضح للباحثة ما لمكانة كبيرة يتزعمها الشاعر بين الشعراء النبط في عصره ، وكيف كان شاعرا متواصلا مع غيره من الشعراء ، وما لمعرفته الكبيرة بتاريخ الأقوام والقبائل على نحو ما نلحظ في فخره بقبيلته ، وذكر ما يتصل بها من شيوخ آخرين في نسب بعيد .                                          
ب/ شَعْرُ المرأة بوصفه جمالا :
                     قبل الشروع بتفاصيل العنوان (شَعْرُ المرأة بوصفه جمالا ) ، سيتناول البحث ،عرضا موجزا للخطاب الأدبي الذي تناول المرأة في انتاجه .
  احتلت المرأة  على مدى مراحل من التراث الادبي العربي مكانة متميزة في وجدان الشعراء ن حيث كانت الحبيبة التي يتغزل به ويروي ذكرها عطش اللوعة والفراق حينا ، والحاجة للقاء والمواعدة حينا أخر . فجاءت المرأة في القصيدة الجاهلية غالبا بصورة المراة الحبيبة ،وتصويرها حسيا وذكر حبها ،فكانت القصيدة تصور مفاتن جسد المرأة من أعلى رأسها إلى قدميها، ويذكر الشاعر منهم شوقه ولوعته للقائها ، فكان هناك شعراء فحول ممن ارتبط اسمهم باسم معشوقته أو اشتهر بحبه لذكر النساء في شعره ، ومنهم على سبيل المثال ، امرؤ القيس ، عنترة بن شداد، ومجنون ليلى، وجميل بثينة ، وإن كان الشعراء قديما ينادون زوجاتهم أو يحبون تسميتهن بأم فلان ،فما أكثر تلك الصيغ التي تردّدت في أشعارهم ، ولكن تطوي الأيام والسنون ذلك العهد لياتي العصر الحديث فيما يسمى بعصر النهضة في القرنين التاسع عشر والعشرين وبدأت بعض البلدان العربية محاولاتها لتحرير المرأة من تلك المكانة الدونية [11]، ولكن لاتزال بعض الآثار السلبية حيال المرأة باقية في المجتمعات المنغلقة ومنها استقباح ذكر اسم الزوجة أو الأم [12]
       على الرغم من ذلك ،لاتزال المرأة محلّ اهتمام وموضوعا لكثير من الشعراء  الرسميين والشعبيين ، فمنهم  من لقب بشاعر المرأة مثل نزار قباني ، ومنهم من رثى زوجته في قصيدة وجدانية مثل محمد مهدي الجواهري ومنهم من عرف بشعقه للنساء مثل محسن الهزاني ، ومنهم من باعد الحظ بينه وبين محبوبته مثل الفيحاني حتى أسكته الموت .
             وكان الشعر يصف جمال المرأة الحسي في كثير من الأحيان  والمعنوي أحيانا أخرى ،بمعنى أنه لاتزال  الصورة الأولى للمراة في الشعر الجاهلي مستمرة حتى عصرنا الحالي ، سواء في جزئيات منها أو في عمومياتها ، وسواء كان ذلك في الشعر الفصيح أو الشعر الشعبي .
     ولقد أفردت القصائد بشكل عام موضوعاتها للمرأة وأخذت تصفها وصفا حسيا من جمال الجسد وفي جمال العينين، أو صفاء البشرة والنحر ، ونحوهما ، وسواد الشعر الذي اتصفت المرأة العربية في كثير من الأشعار ، كما تناولوا ما أضفت تعتني به المراة من أدوات الزينة والحلي التي تجمّل به نفسها . فتكون فاتنة ولوحة فنية في قصيدةأحدهم حيث يذهب به خياله لتصوير ذلك الجمال .
 ومن هذا الجمال الذي اهتمّ الشاعر قديما وحديثا بوصفه هو شَعْر المرأة ، كان يصف طوله ، ولونه ، وهيئته ، وما يشتمّ منه من رائحة عطره وما تتزين المرأة به ليظهر شعرها بأحلى حُلة . حتى اشتهر بين الناس ، تاج المراة شعرها ، لما له من مكانة عظيمة عند النساء .وقد وصف امرؤ القيس ،المرأة وشعرها في قوله [13]:
لقد كنت اسبي الغيد أمرد نا شئا                    ويسبينني منهن بالدل والمقل    
                                                          
ليالي أسبي الغانيات بجمة                                معثكلة سوداء زينها رجل 

كأن قطير البان في عنكاتها                  على منثنى والمنكبين عطى رطل
وقوله كذلك في وصف سواد شعر المحبوبة [14]:
                                       وفرعٍ يزين المتن أسود فاحم                      أثيث كقنو النخلة المتعثكل                       
                                غدائرها مستشرزات إلى العلا                      تضل العِقاص في مثنى ومرسل             
       ومن وصف سواد الشعر كذلك ، وصف عنترة بن شداد [15]
                         ويطلع ضوء الصبح تحت جبينها      فيغشاه ليلٌ من دجى شعْرها الجَعد
   وفي الشعر الحديث اهتمّ الكثير من الشعراء كذلك بوصف" سواد الشعر وغزارته ليظهر جمال الوجه وصفاءه ، وذكروا طول الشعر يتناسب مع القد " [16] وفي مثل ذلك يصف يحيى توفيق في مجموعته الشعرية (شعري وحواء ) فيقول [17]:
                                   وشعر كالدجى سبط            وخصر ناحل ضامر
وقد كانت المرأة تهتم بشعرها فتقوم بتمسيطه على شكل فتل مثناة ، أو تدعه مرسل ، وقد تجمع بين هذا وذاك ، كما كانت تستخدم بعض الاطياب ليفوح من شعرها الطيب والمسك . فقد اشتهرت المرأة باستخدام أنواع من الطيب وهو صنفان "صنف يتبخر به ، وصنف يدهن به فمن اللأأول الصندل والساج ، وهو شجر يسيل منه لبل كالعسل ، ومن الثاني العنبر والمسك ،وهو أزكى الأنواع عندهم ، وقد استخدمت المرأة العربية الحناء لشعرها ويديها ، وقد اشتهرت المرأة الخليجية بطريقتها الخاصة في صنع أدوات تعطير شعرها ومنه   الرشوش وهو مجموعة من الريحان والمحلب والمسك الأبيض والمسمار وورد الجوري والحناء .. وتسحق جميعها لتكون مسحوقاً ثم يخلط بالماء ويوضع على شعر المرأة[18]، كما كانت تزين رأسها وشعرها ببعض الحلي منها " المشباص والطاسة ، تكون من الذهب "[19]وهي من أشهر الأنواع المستخدمة في قطر ، وهناك حلي أخرى تستخدم في الخليج عامة مثل : الهامة ، والقبقب ، والتلول ، والسروح .[20]












المبحث الثاني
                                    أ/ وصف الشاعر لشَعْر المرأة .
                                    ب/ توظيف الشَّعر حقيقة ورمزا .
                                      ج/ مفردات ابن عفيشة في وصف الشَّعر .










           أ/ وصف الشاعر لشَعْر المرأة .
           لم يأتِ وصف شعر المرأة عند عمير بن عفيشة تصويرا منفردا ، بل كان في جميعه صورة من مجموعة صور لوصف المرأة ، فكان حضور المرأة في وصفه عبارة عن وصف لبعض من جمالها التي اعتاد عليها الشاعر والمتلقي العربي من العصر الجاهلي وحتى العصر الحالي .
      ركّز ابن عفيشه في وصفه للشّعر على مجموعة من العناصر منها اللون، والهيئة ، والطول ،وارتباطه بمجموعة من الأطياب .
     فممّا يورد في وصف طوله ،يذكر ابن عفيشه :
                      ومجدول على متنه تثنى                  إلى هلّه يصك إلى الحزامي[21]
وقوله أيضا ، في وصف جديل المرأة ،فهو يصف إلى الأوراك :
                     جميلة وصف مابها ما يعيبها                 إللي على الأوراك ضافي جديلها[22]
أما في وصف لونه ،فالشاعر عمير بن عفيشه يصف لون الشعر بالسمرة في الأغلب ، ومن ذلك قوله :           واسمر جديله فوق متنه سبايح          من بين خدّامين ناقض وعمّال[23]
وقوله كذلك ،
                 غر على متنه يهل أسمر الراس               خمسة عشر طوفٍ ولا اقطب تمامه[24]
وهنا نجد كذلك أن الشاعر وظّف كلمة (الرأس ) بمعنى الشعر ، وهو استعمال منتشر .
وقد يكون لون شعر المرأة أسود كلون الليل ، وفي هذا يقول ابن عفيشة :
  على متنها ليل تقفى نهاره           على عنقها الأصفر عثاكيله ارضافي                          
وقد يأتي هذا الشعر مسترسلا ، أو متثني في هيئته ، وهذا الوصف صورة ألفها القارىء للقصيدة العربية منذ العصر الجاهلي ، ومن قول عمير بن عفيشة في ذلك :
زين الاقبال لا وقّف واعترض مار                 وارخى الجدايل والشنق بالعمالة[25]        
                                
قوله :  
                              على صفر دماث المناكب يهلّ جعوده        كما عرف شقرا في ضحى العيد[26]                    
وقد يتثنى الشعر فيصفه الشاعر بن عفيشة في نحو قوله :    
                            وضافي جديلة فوق الامتان متثني            كما عرف شقراً ضحى العيد مستنّه[27]
كما قد يكون ذلك الشعر ظفيرة ، تجمع ، وقد وصف ذلك ابن عفيشة غير مرة في شعره قائلا :      
    ومعنقٍ له ضامته سمر الاجعاد                  ما يستريح الا بلمّ العكايف[28]
ومن قوله أيضا في وصف الضفائر الشعر بقوله عثاكيل[29] وهو لفظ فصيح :
        وثاني تواصيفه كسا المتن بجعود                 مرٍّ عثاكيل ومرٍ دجاني
ومن وصف لجمع الشعر مع بعضه البعض لفظة (عمّال ) و( عميلة ) وهي بمعنى الضفيرة ، وفي ذلك يصف الشاعر عمير بن عفيشة صورة المرأة الجميلة قائلا :
واسمر جديله فوق متنه سبايح                             من بين خدّامين ناقض وعمّال[30]                     
  ,والشعر لا يخلو أن تفوح منه رائحة طيبة ،فهذه عادة النساء التطيب ،فيزيد جمال الشعر صورة ورائحة . ومن قول الشاعر في وصفه لرائحة المسك والعنبر ، وقد اختلطت بضفيرة المرأة فيفوح طيب الشَّعر :
               وجعود قالوا لا نقضهن كسنّه                  والمسك والعمبر بها يتعكف له[31]
وقد تحشى تلك الاطياب في مفارق الشعر ، ومن ذلك وصف ابن عمير لهه الصورة :
           أبو جادل ٍ ينقض ويعكف على الاطياب                  دقيق البضاعة ينحشى في مفاريقه[32]   
     ويصف الرشوش الذي يعطّر فيه الشَّعر ، يقول عمير رحمه الله :
                   هايف الخصرين مذري الزوايا           فوق متنه بالرشوش معملينه[33]
وقد تستخدم المرأة عطورا برية ، فيقف ابن عفيشة واصفا تلك العطور التي كوّنت طيبا لشعر المرأة  ، ومنه قوله :
                  والراس مذريٍ على المتن مرجود              فيه الشمطري ذاعر فوتخاني[34]
وقد يذكر تلك الرائحة ويصفها بأنها كنبات النفل ،دون أن يحدّد نوع طيبها ، كما في نحو قوله:
ريحة عرق جلدها لا فاح بنّه                 لو ريح مجدولها لاهلت جعوده                      
                يبري خوا الراس لا زفره ولا مصنّه          يشبه نفل فيضةٍ بالولي مزيودة [35]                       
       ومن زينة النساء في الاهتمام بالشعر وضع الزيت على الشعر ،بقصد إطالته ، وتغذيته ، ولم يكن الشاعر ابن عفيشة ليغفل تلك الجزيئة التي اشتهرت بها المرأة في قطر بل وفي الخليج العربي بل وأوسع من ذلك في العالم العربي والإسلامي . فهذه الزينة والتطيب والعناية بالزيوت سمة فطرية إنسانية عند المرأة على وجه العموم . ومن اقتناص ابن عفيشة لهذا الاهتمام بالشعر واستخدام الزيوت قوله :
                                  أبو جعود مادهنها بالجباب          والمفرّع بالمثل مصحف خطيب [36]

                              
ولم يكتفِ الشاعر إلا تكتمل صورة وصف الشعر بوصف القناع الي يغطي المرأة ليستر شعرها، فهو يورد ذكرا لذلك القناع دون أن يقدم وصفا له .فيقول ابن عفيشة:
                            كشف سترها متولّي فاز باسمها            وكشف راسها من عقب لف القناع به[37]
                              تهيّا لنا بكنزان معركة                            بليلٍ رُمن فيه الصبايا القنايع[38]
ب/ توظيف الشَّعر حقيقة ورمزا .
            استخدم الشاعر عمير بن عفيشة ، الشَّعْر مرات عديدة ليصفه وصفا حقيقا حسيا في كثير مما رأينا من الأمثلة السابقة ، ولكنه كذلك يستخدم شعر المرأة ليعبر عن رمز لأمر ما ،إما أن تكون وصفا لقصيدته التي يسميها العروس ، ويقدمها للحاكم ، أو تكون وصفا لقضية فلسطين ،فيصفها بالمرأة التي انكشف غطاء رأسها وفي هذين الوصفين نورد على التوالي ما جاء من تمثّل الشاعر قوله :
                               جميلة وصف مابها ما يعيبها             إللي على الأوراك ضافي جديلها [39]
قوله يصف فلسطين بعد انكشاف سترها ووقوعها في يد الاحتلال الإسرائيلي :
                        كشف سترها متولّي فاز باسمها                  وكشف راسها من عقب لف القناع به[40] 
  ونجد من خلال العرض طغيان الصورة الحسية لدى عمير بن عفيشة في وصفه للمرأة عامة ، مع توظيف قليل لصورة المرأة بعدّها رمزا لعدد من الموضوعات كما ورد في الأعلى .
       وقد تخرج مفردة (الجادل ) الذي يسمى به الشعر ، ليكون تعبيرا عن المرأة الجميلة فيقال جاءت الجادل : أي جاءت المرأة الجميلة ، وقد ورد هذا التوظيف بمعنى المرأة الجميلة عند ابن عفيشه ، على نحو قوله :
                        وجعتي في جادلٍ صارت فيه ولعتي                   في هواه النفس والقلب زادت ولعته[41]
وقوله كذلك  في الوصف نفسه :
                             واجتمع باللي على جيته كنّه غريب                جادلٍ في ثومة القلب وثّق حذفته [42]
ج/ مفردات ابن عفيشة في وصف الشَّعر:
          امتلك عمير من عفيشة معجما من المفردات الكثيرة ،و التي يتميّز به شعره في ديوانه ، وقد امتلك مفردات في وصفه لشعر المرأة ،على نحو ما رأيت في تناولي للعنصرين (أ ، ب) من هذا المبحث الثاني .
فاستخدم ابن عفيشة مفردات للدلالة على الشعر منها على سبيل المثال :
الرأس ، وتنطق بالعامية بدون الهمزة(الراس ) ، وكلمة (مفرع ) ،و (جعود) و( الاجعاد )، ( جادل )، (مجدول) ، (العكايف )، ( مفاريق) .
     وملاحظ أن الشاعر لم يستخدم لفظة (الشعر) وهي اللفظة الأكثر شهرة في الكلام اليومي  ، بل اكثر من استعمال لفظ الجعود ، والجديل ن وكأن للشَّعر في الشِّعر أوصاف ومفردات خاصة لا تخالف .
      وقد وصف ابن عفيشة حركة الشعر من خلال تحركه وفكّه ، والرقص به مستخدما بعض المفردات منها :
( هلّه) [43]، و ( فرّع ) به ، (ينقضنه) و( ناقض ) بمعنى فتحه ليسهل حركته ، و(نعوش ) وتعني تحريك الشعر بغرض الرقص به . وللشاعر عمير بن عفيشه وصف لذلك بقوله :
                تعيل وتميل بضافي الشيل لاقبلت          جرور الخطا كنها من المشي ونيانه       
                  نعوش بضافي جادلٍ فوق متنها                  كما عرف مشوالٍ ضحى العيد سكرانه[44]
وبعد هذا العرض لوصف الشعر وتوظيفه حسيا أو رمزيا ، وذكر أهم مفرداته ، نجد أن الشاعر عمير بن عفيشه ،لم يخرج عن وصف القصيدة العربية لمحاسن وجمال المرأة بل كان توقفه عند وصف شعر المرأة يشابه وصف امرئ القيس في وصف للنساء اللائي كان يتغزل بهن ، فامرؤ القيس وصف شعرها المثني والمسترسل ن ووصف ريح الطيب بها ، واستخدم مفردات عديدة عند وصفه ، وما عمير بن عفيشه بوصفه لشعر المرأة على نحو ما عرض البحث إلا سائر على هذا النهج .

الخاتمة :
    قدّم البحث عرضا لمفردة شَعر المرأة ، والتي تناولها ابن عفيشة ضمن صورة كلية للمرأة ، ولكن البحث اكتفى بصورة جزئية للشَّعر ، فجاءت أوصافه لهذا المكون الجمالي عند المراة العربية ، وصفا حسيا يتناول اللون والطول والهيئة ، وأنواع الاطياب والزيوت التي تهتم بها المرأة ،كما جاءت ألفاظه متنوعة عند عرض صورة الشعر وشاعت لديه بعض المفردات دون غيرها مثل جديل ، وجعود .
  وابن عفيشة بهذا الوصف لايخرج عن وصف الشاعر العربي لجمال المرأة فيما يتعلق بشعرها       
                وإذ توصي الدارسة بشيء فإنها توصي بتتبع وصف صورة المرأة كاملة عند ابن عفيشة ومقارنتها بالصورة النمطية للمرأة ، للوقوف على المؤتلف والمختلف في جمال المرأة متخيلا في ذائقة الشاعر وتعبيره .











الــمـلاحق




ملحق الأبيات التي جاءت وصفا لشَعر المرأة في الديوان

البيت
الصفحة
نوع التوظيف
1
ومجدول على متنه تثنى  
               إلى هلّه يصك إلى الحزامي
162
حقيقي
2
غر على متنه يهل أسمر الراس
    خمسة عشر طوفٍ ولا اقطب تمامه
170
#
3
تعيل وتميل بضافي الشيل لاقبلت
  جرور الخطا كنها من المشي ونيانه
نعوش بضافي جادلٍ فوق متنها
       كما عرف مشوالٍ ضحى العيد سكرانه
176
#
4
سمحت وعكس بي جادل ٍ ذكره امحنّى
بيعيد الوطن وعيون قلبي يراعنَه
179
المرأة
5
وضافي جديلة فوق الامتان متثني
كما عرف شقراٍضحى العيد مستنّه
180
حقيقي
6
ريحة عرق جلدها لا فاح بنّه
لو ريح مجدولها لاهلت جعوده
يبري خوا الراس لا زفره ولا مصنّه
يشبه نفل فيضةٍ بالولي مزيودة
183-184
#
7
ومعنقٍ له ضامته سمر الاجعاد
مايستريح الا بلمّ العكايف
191
#
8
أبو جادل ٍ ينقض ويعكف على الاطياب
دقيق البضاعة ينحشى في مفاريقه
194
#
9
على أبو جديلٍ صاغ تجديله العاضي
وله مفرعٍ يدهش إلى منه فرّع به
197
#
10
واسمر جديله فوق متنه سبايح
من بين خدّامين ناقض وعمّال
204
#
11
وجعتي في جادلٍ صارت فيه ولعتي
في هواه النفس والقلب زادت ولعته
210
المقصود المرأة
12
وجعود قالوا لانقضهن كسنّه
والمسك والعمبر بها يتعكف له
212
حقيقي
13
واجتمع باللي على جيته كنّه غريب
جادلٍ في ثومة القلب وثّق حذفته
214
حقيقي
14
على صفر دماث المناكب يهلّ جعوده
كما عرف شقرا في ضحى العيد لعّابه
220
#
15
هايف الخصرين مذري الزوايا
فوق متنه بالرشوش معملينه
227
#
16
وهم آل ابوسعيد والأمير ابن منصور
وغصين شوق اللي ينقض جعوده
251
#
17
كشف سترها متولّي فاز باسمها
   وكشف راسها من عقب لف القناع به
281
رمزي
المقصود فلسطين
18
تهيّا لنا بكنزان معركة
بليلٍ رُمن فيه الصبايا القنايع
298
حقيقي
19
جميلة وصف مابها ما يعيبها
إللي على الأوراك ضافي جديلها
336
رمزي يصف قصيدته بأنها عروس
20
زين الاقبال لا وقّف واعترض مار
وارخى الجدايل والشنق بالعمالة
367
حقيقي
21
وثاني تواصيفه كسا المتن بجعود
مرٍّ عثاكيل ومرٍ دجاني
470
#
22
والراس مذريٍ على المتن مرجود
فيه الشمطري ذاعر فوتخاني
481
#
23
شعفني بسمر فوق الامتان كنّها
سفايف عقيليات مركوب عمّالي
521
#
24
أبو جعود مادهنها بالجباب
والمفرّع بالمثل مصحف خطيب
527
#
25
على متنها ليل تقفى نهاره
على عنقها الأصفر عثاكيله ارضافي
556
#

المصادر والمراجع
المصادر :
             -  ديوان آل عفيشة ، تحقيق حمد الفرحان ، وحمد عمير ، وزارة الإعلام والثقافة، قطر ، ط1 ،سنة 1990
  المراجع :
 سلوى المغربي : الحلي قديما في الكويت، مركز البحوث والدرسات الكويتية ، الكويت سنة2004
     زايد محمد النعيمي / إعداد: مختارات من قصائد ابن عفيشة ، المجلس الأعلى للثقافة والفنون والتراث ، قطر ، 2008
 الرسائل الجامعية:
- الزهراني، علي : رسالة ماجستير ،جامعة مؤتة الأردن سنة 2008،
المجلات العلمية :
فالح العجمي ، التراث العربي في مساءلة المرأة ، مجلة الخطاب الثقافي ، جامعة الملك سعود ،ع4،سنة2009
 الصحف الألكترونية :

       مجلة الإتحاد الإمارتية :
http://www.alittihad.ae                                /
         مواقع إلكترونية :
                     موقع أدب :                                                      
                                              http://www.adab.com                                                   



[1] المقصود : شبة الجزيرة العربية ، التي تمثل المملكة العربية جزءا كبيرا منها الآن.
[2] ديوان آل عفيشة، تحقيق حمد الفرحان ،وابن الشاعر ص 16
[3] المصدر نفسه ص16
[4] مختارات من قصائد ابن عفيشة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث ، ص5
[5] المصدر نفسه ،ص5
[6] المصدر نفسه5
[7] الديوان ، تحقيق حمد الفرحان ص 16
[8] لايعرف سبب جازم لتسمية هذا الشعر الشعبي ، بشعر النبط ، فهناك من يرده إلى قوم الأنباط ، ومن يرده إلى وادي نبط في الجزيرة ، جاءت دراسة ابن خلدون في مقدمته من أولى الدراسات التي أشارت لهذا النوع وسماها بالأصمعيات .ولكنه اشتهر باسم الشعر النبطي ولاتزال هذه التسمية هي الأكثر شيوعا بين التسميات الأخرى .
[9] الديوان ، تحقيق حمد الفرحان ص 17
[10] المصدر نفسه ،ص646
[11] فالح العجمي ، التراث العربي في مساءلة المرأة ، ص13 مجلة الخطاب الثقافي ، جامعة الملك سعود ،ع4،سنة2009
[12] المصدر نفسه ،25
[13] موقع أدب الألكتروني : http://www.adab.com/
[14] المصدر نفسه
[15] المصدر نفسه
[16] الزهراني ، علي : المراة في شعر يحي توفيق ، رسالة ماجستير ن جامعة مؤتة ، الأردن 2008
[17] المصدر نفسه ص88
[18] http://www.alittihad.ae/
[19] سلوى المغربي : الحلي قديما في الكويت ص 17
[20] المصدر نفسه ،ص 27-32
[21] الديوان ،ص 162
[22] المصدر نفسه ص336
[23] المصدر نفسه : 204
[24] المصدر نفسه ص170
[25] المصدر نفسه ص 367
[26] الديوان ص 220
[27] المصدر نفسه ص180
[28] المصدر نفسه،ص 191 ، والعكايف بمعنى الضفائر ،شرحت في هامش الديوان.
[29] استعملها امرؤ القيس في وصف له
[30] الديوان ص 204
[31] المصدر نفسه ص 212
[32] المصدر نفسه194، دقيق البضاعة نوع من الطيب شرحت في هامش الديوان
[33] المصدر نفسه ص 227
[34] الديوان ،ص 481
[35] المصدر نفسه ،ص 183-184
[36] المصدر نفسه ص 527 ، والجباب في هامش الديوان نوع من الدهون تستعمله المرأة لدهن شعرها
[37] المصدر نفسه ص 281
[38] المصدر نفسه ص 298
[39] المصدر نفسه ص 336
[40] المصدر نفسه ص 381
[41] الديوان ،ص 210
[42] المصدر نفسه ص 214
[43] وردت بالديوان هلّه ، والرأي عندي أنها (فلّه ) بمعنى فتحه ،
[44] الديوان ،ص 176

ليست هناك تعليقات: